في بداية المرحلة الجامعية، يدخل الطالب عالمًا جديدًا مليئًا بالتحديات، لا يختبر فقط قدراته الأكاديمية، بل يلامس أعماق قناعاته ومبادئه، هذه المبادئ التي ظل متشبثًا بها خلال سنوات المراهقة، قد تواجه أول اختبار حقيقي مع أول صدمة جامعية: ربما في صداقة خادعة، أو موقف محرج، أو إحباط دراسي، أو تناقض بين ما تربى عليه وما يراه واقعًا معاشًا.

 

اقرأ أيضا.. سنة أولى جامعة| أول يوم وعبء السؤال الأزلي.. ماذا أرتدي؟

 

الجامعة بيئة مكشوفة وليست معقمة

يدخل الطالب إلى الجامعة وهو يحمل طموحات وردية عن الحياة الجامعية؛ عن العلم، والانفتاح، والنضج، ولكن سرعان ما يصطدم بحقائق قد تربك ثقته بنفسه، يرى سلوكيات لا تشبه بيئته السابقة، ويسمع آراء تخالف تمامًا ما تربى عليه، هنا، يبدأ السؤال الصعب: هل أتمسك بمبادئي؟ أم أتكيف مع ما أراه؟ هل التغيير مرونة أم خيانة للذات؟

 

أول صدمة: هل أنا ضعيف أم ناضج؟

قد تأتي الصدمة الأولى في هيئة موقف بسيط: كأن يطلب من الطالب مجاراة الآخرين في سلوك ما فقط ليكون "مقبولًا" في المجموعة، أو ربما ينتقد بسبب فكرة موروثة عن الدين أو العادات، عندها يشعر بأنه غريب أو "متأخر" أو "غير ناضج" حسب معايير من حوله، وهنا يكمن الخطر، فقد يظن أن التغيير هو الحل السهل، دون أن يسأل نفسه: هل أغير ما أؤمن به فعلًا؟ أم أنني فقط أهرب من الشعور بالاختلاف؟

 

المبادئ لا تعني الجمود

التمسك بالمبادئ لا يعني الرفض الأعمى لكل جديد، بل يعني القدرة على تقييم المواقف بعقل ناضج، واستيعاب التنوع دون الذوبان فيه، من الطبيعي أن تنضج القناعات، وأن يعيد الإنسان النظر في أفكاره، لكن غير الطبيعي أن يتخلى عن ما يؤمن به فقط لأن "الكل يفعل ذلك"، أو لأن "الرفض يسبب عزلة".

 

كيف أحمي نفسي من الانزلاق؟

  1. عرّف نفسك بنفسك: ما المبادئ التي تؤمن بها فعلًا؟ هل هي نابعة من اقتناع داخلي أم من ضغط خارجي سابق؟

  2. كوّن دوائر صحية: وجود أصدقاء يشاركونك قناعاتك يعزز ثقتك في نفسك.

  3. تقبل الاختلاف دون عداء: ليس كل من يختلف معك عدوًا، وليس كل من يشبهك صديقًا.

  4. مارس النقد الذاتي: لا مانع من مراجعة الذات، بشرط أن تكون هذه المراجعة واعية لا مدفوعة بالخوف أو الإحباط.

  5. اطلب المساعدة إذا لزم الأمر: سواء من مرشد نفسي، أو أحد أفراد الأسرة، أو صديق حكيم.

 

في النهاية، سنة أولى جامعة ليست مجرد مرحلة دراسية، بل هي بداية رحلة في معرفة الذات. ومن الطبيعي أن يتعرض الإنسان لاختبارات تهز قناعاته، لكن الأهم أن يبقى صادقًا مع نفسه، التغير الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من عمق التجربة والنضج، لا من الانبهار المؤقت بالمظاهر. فاجعل مبادئك بوصلتك، لا سجنك، وامضِ بثقة في طريقك، حتى وإن كنت تسير وحدك.